حكم إقامة العمل الدعوي في ساحات المولد

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من ﻻ نبي بعده وبعد،

فقد أثير نقاش في الآونة الأخيرة حول حكم إقامة عمل دعوي في ساحات الموالد لإنكار بدعة الاحتفال وغيرها من المخالفات المتعلقة بالعقيدة والعبادة.
وقد ذهب بعض الفضلاء إلى أن الأولى أو الأرجح هو عدم فعل ذلك في تلك الساحات، ورأى أنه ربما أشبه المشاركة، بل يكتفى بما توفر من الوسائل الأخرى ﻹنكار تلك البدعة وغيرها.
وذهب آخرون إلى أن دخول تلك الساحات أولى وأنفع وأصلح من تركها ﻷهل البدع ، ولكل من الفريقين ما يدعم به قوله ، ولكن بالنظر إلى قول المجيزين لذلك، تبين لي أن إقامة العمل الدعوي بساحة المولد مشروع؛ وذلك للأوجه العشرة التالية وهي :

الوجه الأول:

قوله عليه الصلاة والسلام : (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه) رواه مسلم من حديث أبي سعيد.
وجه الدﻻلة أن إنكار المنكر يكون باللسان، وهذا هو المستطاع، فمن يتكلم في ساحة المولد من دعاتنا ومشايخنا إنما ينكر الاحتفال بلسانه،ويبلغ التوحيد عملا بمنطوق الحديث، وﻻ يضره أن تكلم داخل خيمة؛ فإن هذا ﻻ يعدو من كونه وسيلة لتبليغ الدعوة.

الوجه الثاني:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغشى مجالس الكفار وتجمعاتهم داعيا ومبلغا ؛ فقد كان المشركون يجلسون في المسجد الحرام وقد جعلوا حول البيت مئات الأصنام، ولم يمنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من غشيانهم ودعوتهم.

الوجه الثالث:

قول الله جل وعلا لموسى عليه السلام (اذهب إلى فرعون إنه طغى) (وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين)
فأمر الله تعالى نبيه موسى أن يذهب إلى فرعون وملإه ليدعوهم إلى توحيد الله ، وكذلك من يأتي ساحة المولد من دعاة التوحيد إنما جاء ليسمع من شاء الله أن يسمعه ممن انحرف وطغى.

الوجه الرابع:

قول الله تعالى (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين)
فهذا الرجل المؤمن جاء إلى أهل الباطل يسعى لهدايتهم ونصحهم، ولم يمنعه تلبسهم بالباطل والشرك من أن يصل إليهم ويدعوهم إلى الله ، وهكذا من يأتي تلك الساحات سعيا لدعوة الناس إلى الله تعالى.

الوجه الخامس:

أن الشريعة جاءت بدرء المفاسد وتقليلها، وفي حضور الدعاة لتلك الساحات تقليل للمنكر ومزاحمة ﻷهل الباطل، وذلك بما يبثونه من الخير والنصح وتبيين العقيدة والسنة لمن كان غافﻻ عن المنهج الصحيح. ولو ابتعدوا لخلا الجو لدعاة الباطل يقولون ما شاؤا بلا نكير فيقع من الشر والمنكر شيء كثير.

الوجه السادس:

ما ثبت بالواقع من انتفاع الآلاف ممن يستمعون إلى المحاضرات التي يقدمها دعاة التوحيد، فكم من حائر استبان له الحق وعرف السنة والتوحيد في تلك الأماكن، وقد جاءت الشريعة بجلب المصالح وتكميلها، وليس في النصوص – فيما أعلم – ما يمنع من ذلك نصا وﻻ ظاهرا.

الوجه السابع:

أن من يرى المنع من ذلك يلزمه أن يخلي كل موقع كان ﻷهل الباطل فيه وجود، فيلزمه أن يترك وسائل الإعلام المتنوعة مرئية كانت مسموعة أو مقروءة. فلا يكتب عمودا في صحيفة ! بحجة أن هناك من يتبنى الباطل وينشر البدعة في عمود مجاور له ، ولا ينشر مقالا في مواقع تنشر أنواعا من الضلالات!! ، بل عليه أن ينكر بعيدا عن ذلك كله درءا للمفسدة التي توهمها!!!
وهذا ﻻزم لمن يرى ترك ساحات المولد ويكتفي باﻹنكار بعيدا عنهم.
وﻻ يخفى بطلان هذا اللازم.

الوجه الثامن:

أن أهل البدع لو تركوا بدعة الاحتفال بالمولد ولزموا ديارهم ما كان لوجود دعاة التوحيد في تلك الساحات من داع، فحضور الدعاة كان بسببهم وﻹنكار منكرهم.

الوجه التاسع:

أن نصب الخيمة واستخدام مكبرات الصوت مما يتطلبه الحال إذ ﻻ يمكن أن تقوم بالعمل الدعوي إﻻ بذاك، والوسائل لها أحكام المقاصد، فليس في ذلك تشبه بأهل البدع ؛ فقد جاؤا محتفلين وجاء دعاة السنة منكرين ومبلغين لدعوة الحق.

الوجه العاشر:

أن تلك الساحات ليست ملكا ﻷهل البدع ولا لآبائهم حتى نعد مشاركين لهم! بل هي للجميع ، فإن جاؤا لنشر الباطل جئنا بالحق (وإن عدتم عدنا) .

وختاما إنكار بدعة الاحتفال بالمولد ﻻ يقتصر على تلك الساحات بل كل ينكر في موقعه وبما يسر الله له من وسائل الدعوة و اﻹعلام والنشر المتنوعة ، والله الموفق والهادي ﻻ إله إﻻ هو.

هذا ما تيسر إيراده وتسنى إعداده من تأصيل ﻹقامة العمل الدعوي في ساحات المولد ، والله أسأل التوفيق والسداد وإصابة الحق والرشاد وصلى الله علي رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

وكتبه أبو الحسن خوجلي إبراهيم
اﻷربعاء12ربيع الأول 1437 الموافق 23/12/2015

اترك رد