الحمد لله وحده
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
وبعد
فهذه وقفة تأمل مع آية سورة يوسف والتي طلب فيها يوسف عليه السلام أن يجعل على خزائن الأرض ، فقد استدل بها من استدل على مشروعية طلب التعيين في المناصب السياسية العامة، والولوج في خضم العمل السياسي.
ومما لا شك فيه أن الإصلاح مطلب شرعي، وأن السياسة الشرعية من الدين، ولا يجوز فصل الدين عن الدولة،
بيد أننا بصدد البحث في مدلول الآية ، هل هي دالة على مشروعية طلب تولي المناصب مطلقا؟ أم أن هناك تفصيلا، إذ لا بد من مراعاة التأصيل عند التنزيل بمعني: هل ينزل فعل يوسف عليه السلام على كل من رغب في المشاركة السياسية ؟ بأي شكل كانت ؟
وإلى أي نتيجةأدت؟ أم أن للأمر صورا يختلف الحكم باختلافها؟؟
🌴🌴🌴🌴
إن المتأمل للواقع المعاصر يجد الفرق شاسعا بين واقع طالبي المناصب اليوم وبين الواقع الذي كان فيه يوسف عليه السلام؛ وذلك للأوجه الاتية:
الأول: أن الملك قال ليوسف كما حكى الله عنه (إنك اليوم لدينا مكين أمين) أي ذو مكانة وأمانة، وهذا يشير إلى حسن نوايا الملك تجاه يوسف عليه السلام ورغبته في الاستفادة منه، فلا يظهر من قوله أن له غرضا في إضراره أو المكر به. إذ لو شعر يوسف عليه السلام بأن هذا المنصب يراد به كيده وكيد دعوته لرفض المنصب . ولآثر السلامة لنفسه ولدعوة الله.
🌴🌴🌴🌴
الثاني أن يوسف عليه قال (اجعلني على خزاىن الارض )فحدد يوسف الموقع المناسب له ،بل اختار يوسف المنصب الذي يخدم الامة من خلاله .
ولهذا لا يقاس عليه من يعين تعيينا من قبل الحاكم، ويلزم بمنصب رضيه أو كرهه؛ فالقياس والحالة هذه قياس مع الفارق ، لكون يوسف عليه السلام ٱختار ولم يفرض عليه.
🌴🌴🌴🌴🌴
الثالث:أن يوسف عليه السلام قال: (إني حفيظ عليم)فمدح نفسه بما هو فيه ،فهو جدير بذلك لما اتصف من صفات تمكنه من القيام بأعباء المنصب.
ويستفاد من ذلك أن الكفاءة شرط لطلب تولي المنصب ، وليس الترضيات ولا المجاملة الحزبية.
🌴🌴🌴🌴
الرابع:أن الله تعالى قال :(وكذلك مكنا ليوسف في الارض) فاخبر سبحانه أنه مكن ليوسف بتوليه ذلك المنصب بحيث كان المسؤول وصاحب الكلمة والنفوذ في موقعه، له من القرار ما استحق به وصغ التمكين.
فلا يدخل في ذلك من كان مكبلا بقيود، ومحاطا بحدود ليس له الا السير فيما رسم له.
🌴🌴🌴🌴🌴🌴
الخامس :أن المنصب الذي اختاره يوسف عليه السلام لا محذور فيه ،اذ لا يتصور في حق نبي كريم كيوسف عليه السلام أن يسأل منصبا فيه إعانة علي منكر أو فساد في الارض؛ فان الله عصم انبياءه من ذلك ،
ويستفاد من ذلك أنه ليس لأحد أراد الإصلاح أن يختار منصبا – فضلا عن أن يختار (بضم الياء) له منصب – فيه إعانة على إثم أو رعاية لمنكر.
🌴🌴🌴🌴
السادس: أن يوسف عليه السلام أفاد البلاد والعباد بحسن سياسته وإحسانه ، ولم يترتب على توليه ذلك المنصب مفسدة لا في الدين ولا في الدنيا ،بل كان من المحسنين كما وصفه الله تعالى ، وقد كانت عاقبة أمره خيرا.
وعليه فالمدار على النتيجة
كما ذكر الشيخ الفوزان – في مقطع له يتكلم عن الآية – قال : (فالمدار على النية والمقصد والنتيجة).
يستفاد من ذلك أن من كانت عاقبة توليه للمنصب خسرا فلا معنى لمشاركته؛ إذ لم يحقق مصلحة دينية ولم يقلل – فضلا عن أن يزيل – مفسدة.
وعليه لا بد من تقويم ومراجعة وبحث نتائج تولي المنصب ، ماذا أفادت؟؟ وما هي آثارها؟؟
🌴🌴🌴🌴
السابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة ؛ فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها)
متفق عليه
وقال أيضا: (إنا لا نستعمل على هذا العمل من أراده) متفق عليه
فدل هذان الحديثان على النهي عن طلب الإمارة؛ لعظم شأنها وكبر مسؤوليتها، ولكون طالب المنصب ربما يوكل إلى نفسه فيزيغ ويتبع الهوى ، لذا كان النهي عن الحرص على الإمارة.
وكفى بذلك وازعا ورادعا.
🌴🌴🌴🌴
الخلاصة ليس في آية سورة يوسف إطلاق الإباحة بطلب المنصب، بل ذلك مشروع بقيود وشروط ذكرنا بعضا منها ، فمن تحققت فيه الشروط فبها، ومن لم تتوفر فيه فلا يحق له الاحتجاج بالآية إذ لم يحقق شرطها ولم يوف حقها.
والله المسؤول أن يهدينا إلى سواء الصراط ويجنبنا مضلات الفتن.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🖊 وكتبه أبوالحسن خوجلي إبراهيم.
٩ شعبان ١٤٣٩