7/ وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى:
ومن مستندات (المنشقين) الجراحين: تتبع العثرات وتلمس الزلات والهفوات، فيجرح بالخطأ ويُتبع العالم بالزلة، ولا تُغفَر له هفوة، وهذا منهج مُرْدٍ، فمن ذا الذي سلم من الخطأ غير أنبياء الله ورسله؟ وكم لبعض المشاهير من العلماء من زلات، لكنها مغتفرة بجانب ما هم عليه من الحق والهدى والخير الكثير.
من ذا الذي ما ساء قط؟ ***** ومن له الحسنى فقط؟
ولو أُخِذ كل إنسان بهذا لما بقي معنا أحد، ولصرنا مثل دودة القز تطوي بنفسها على نفسها حتى تموت!! وانظر ما ثبت في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه: ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم “، هذا وهم أهل بيت الرجل وخاصته فكيف بغيرهم؟ وما شُرِع أدب الاستئذان وما يتبعه من تحسيس أهل البيت بدخول الداخل إلا للبعد عن الوقوع على العثرات فكيف بتتبعها؟!!
ومن طرائقهم: ترتيب سوء الظن وحمل التصرفات قولاً وفعلاً على محامل السوء والشكوك، ومنه التناوش من مكان بعيد لحمل الكلام على محامل السوء بعد بذل الهم القاطع للترصد والتربص، والفرح العظيم بأنه وجد على فلان كذا وعلى فلان كذا، ومتى صار من دين الله فرح المسلم بمقارفة أخيه المسلم للآثام؟! ألا إن هذا التصيد داء خبيث، متى ما تمكن من نفس أطفأ ما فيها من نور الإيمان وصيَّر القلب خراباً يباباً، يستقبل الأهواء والشهوات ويفرزها نعوذ بالله من الخذلان) انتهى كلامه رحمه الله من كتابه تصنيف الناس بين الظن واليقين ص32
8/ قال شيخنا المحدث العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله:
“حصل في هذا الزمان انشغال بعض أهل السنة ببعض تجريحاً وتحذيراً، وترتب على ذلك التفرق والاختلاف والتهاجر، وكان اللائق بل المتعين التواد والتراحم بينهم، ووقوفهم صفاً واحداً في وجه أهل البدع والأهواء المخالفين لأهل السنة والجماعة، ويرجع ذلك إلى سببين:
أحدهما: أن من أهل السنة في هذا العصر من يكون ديدنه وشغله الشاغل تتبع الأخطاء والبحث عنها، سواء كانت في المؤلفات أو الأشرطة، ثم التحذير ممن حصل منه شيء من هذه الأخطاء، ومن هذه الأخطاء التي يجرح بها الشخص ويحذر منه بسببها تعاونه مثلاً مع إحدى الجمعيات بإلقاء المحاضرات أو المشاركة في الندوات ، وهذه الجمعية قد كان الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله يلقيان عليها المحاضرات عن طريق الهاتف، ويعاب عليها دخولها في أمر قد أفتاها به هذان العالمان الجليلان، واتهام المرء رأيه أولى من اتهامه رأي غيره، ولا سيما إذا كان رأيا أفتى به كبار العلماء، وكان بعض أصحاب النبي صلى الله علبه وسلم بعدما جرى في صلح الحديبية يقول: يا أيها الناس! اتهموا الرأي في الدين.
ومن المجروحين من يكون نفعه عظيماً، سواء عن طريق الدروس أو التأليف أو الخطب، ويحذر منه لكونه لا يعرف عنه الكلام في فلان أو الجماعة الفلانية مثلا، بل لقد وصل التجريح والتحذير إلى البقية الباقية في بعض الدول العربية، ممن نفعهم عميم وجهودهم عظيمة في إظهار السنة ونشرها والدعوة إليها، ولا شك أن التحذير من مثل هؤلاء فيه قطع الطريق بين طلبة العلم ومن يمكنهم الاستفادة منهم علماً وخلقاً.
والثاني: أن من أهل السنة من إذا رأى أخطاء لأحد من أهل السنة كتب في الرد عليه، ثم إن المردود عليه يقابل الرد برد، ثم يشتغل كل منهما بقراءة ما للآخر من كتابات قديمة أو حديثة والسماع لما كان له من أشرطة كذلك؛ لالتقاط الأخطاء وتصيد المثالب، وقد يكون بعضها من قبيل سبق اللسان، يتولى ذلك بنفسه، أو يقوم له غيره به، ثم يسعى كل منهما إلى الاستكثار
من المؤيدين له المدينين للآخر، ثم يجتهد المؤيدون لكل واحد منهما بالإشادة بقول من يؤيده وذم غيره، وإلزام من يلقاه بأن يكون له موقف ممن لا يؤيده، فإن لم يفعل بدعه تبعا لتبديع الطرف الآخر، وأتبع ذلك بهجره، وعمل هؤلاء المؤيدين لأحد الطرفين الذامين للطرف الآخر من أعظم الأسباب في إظهار الفتنة ونشرها على نطاق واسع، ويزداد الأمر سوءا إذا قام كل من الطرفين والمؤيدين لهما بنشر ما يذم به الآخر في شبكة المعلومات (الانترنت)، ثم ينشغل الشباب من أهل السنة في مختلف البلاد بل في القارات بمتابعة الاطلاع على ما ينشر بالمواقع التي تنشر لهؤلاء وهؤلاء من القيل والقال الذي لا يأتي بخير، وإنما يأتي بالضرر والتفرق، مما جعل هؤلاء وهؤلاء المؤيدين لكل من الطرفين يشبهون المترددين على لوحات الإعلانات للوقوف على ما يجد نشره فيها، ويشبهون أيضا المفتونين بالأندية الرياضية الذين يشجع كل منهم فريقا، فيحصل بينهم الخصام والوحشة والتنازع نتيجة لذلك.
وطريق السلامة من هذه الفتن تكون بما يأتي:
أولا: فيما يتعلق بالتجريح والتحذير ينبغي مراعاة ما يلي:
1 ـ أن يتقي الله من أشغل نفسه بتجريح العلماء وطلبة العلم والتحذير منهم، فينشغل بالبحث عن عيوبه للتخلص منها بدلا من الاشتغال بعيوب الآخرين، ويحافظ على الإبقاء على حسناته فلا يضيق بها ذرعاً، فيوزعها على من ابتلي بتجريحهم والنيل منهم، وهو أحوج من غيره إلى تلك الحسنات في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
2ـ أن يشغل نفسه بدلاً من التجريح والتحذير بتحصيل العلم النافع، والجد والاجتهاد فيه ليستفيد ويفيد، وينتفع وينفع، فمن الخير للإنسان أن يشتغل بالعلم تعلماً وتعليماً ودعوةً وتأليفاً، إذا تمكن من ذلك ليكون من أهل البناء، وألا يشغل نفسه بتجريح العلماء وطلبة العلم من أهل السنة، وقطع الطريق الموصلة إلى الاستفادة منهم، فيكون من أهل الهدم، ومثل هذا المشتغل بالتجريح لا يخلف بعده إذا مات علماً ينتفع به، ولا يفقد الناس بموته عالماً ينفعهم، بل بموته يسلمون من شره.
3 ـ أن ينصرف الطلبة من أهل السنة في كل مكان إلى الاشتغال بالعلم، بقراءة الكتب المفيدة وسماع الأشرطة لعلماء أهل السنة مثل الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين، بدلاً من انشغالهم بالاتصال بفلان أو فلان، سائلين: (ما رأيك في فلان أو فلان؟)، (وماذا تقول في قول فلان في فلان، وقول فلان في فلان؟).
4 ـ عند سؤال طلبة العلم عن حال أشخاص من المشتغلين بالعلم، ينبغي رجوعهم إلى رئاسة الإفتاء بالرياض للسؤال عنهم، وهل يرجع إليهم في الفتوى وأخذ العلم عنهم أو لا؟ ومن كان عنده علم بأحوال أشخاص معينين يمكنه أن يكتب إلى رئاسة الإفتاء ببيان ما يعلمه عنهم للنظر في ذلك، وليكون صدور التجريح والتحذير إذا صدر يكون من جهة يعتمد عليها في الفتوى وفي بيان من يؤخذ عنه العلم ويرجع إليه في الفتوى، ولا شك أن الجهة التي يرجع إليها للإفتاء في المسائل هي التي ينبغي الرجوع إليها في معرفة من يستفتى ويؤخذ عنه العلم، وألا يجعل أحد نفسه مرجعاً في مثل هذه المهمات؛ فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
ثانيا: فيما يتعلق بالرد على من أخطأ، ينبغي مراعاة ما يلي:
1 ـ أن يكون الرد برفق ولين ورغبة شديدة في سلامة المخطئ من الخطأ، حيث يكون الخطأ واضحاً جلياً، وينبغي الرجوع إلى ردود الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ـ للاستفادة منها في الطريقة التي ينبغي أن يكون الرد عليها.
2 ـ إذا كان الخطأ الذي رد عليه فيه غير واضح، بل هو من الأمور التي يحتمل أن يكون الراد فيها مصيباً أو مخطئاً، فينبغي الرجوع إلى رئاسة الإفتاء للفصل في ذلك، وأما إذا كان الخطأ واضحاً، فعلى المردود عليه أن يرجع عنه؛ فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل
3ـ إذا حصل الرد من إنسان على آخر يكون قد أدى ما عليه، فلا يشغل نفسه بمتابعة المردود عليه، بل يشتغل بالعلم الذي يعود عليه وعلى غيره بالنفع العظيم، وهذه هي طريقة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.” انتهى. من كتابه رفقاً أهل السنة بأهل السنة.
9/وقال الشيخ عبد المحسن العباد أيضاً:
ومن ذلك أيضا حصول التحذير من حضور دروس شخص؛ لأنه لا يتكلم في فلان الفلاني أو الجماعة الفلانية، وقد تولى كبر ذلك شخص من تلاميذي بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية، تخرج منها عام (1395 ـ 1396هـ)، وكان ترتيبه الرابع بعد المائة من دفعته البالغ عددهم (119) خريجا، وهو غير معروف بالاشتغال بالعلم، ولا أعرف له دروساً علميةً مسجلةً، ولا مؤلفاً في العلم صغيراً ولا كبيراً، وجل بضاعته التجريح والتبديع والتحذير من كثيرين من أهل السنة، لا يبلغ هذا الجارح كعب بعض من جرحهم لكثرة نفعهم في دروسهم ومحاضراتهم ومؤلفاتهم، ولا ينتهي العجب إذا سمع عاقل شريطا له يحوي تسجيلاً لمكالمة هاتفية طويلة بين المدينة والجزائر، أكل فيها المسئول لحوم كثير من أهل السنة، وأضاع فيها السائل ماله بغير حق، وقد زاد عدد المسئول عنهم في هذا الشريط على ثلاثين شخصاً، فيهم الوزير والكبير والصغير، وفيهم فئة قليلة غير مأسوف عليهم، وقد نجا من هذا الشريط من لم يسأل عنه فيه، وبعض الذين نجوا منه لم ينجوا من أشرطة أخرى له، حوتها شبكة المعلومات الإنترنت، والواجب عليه الإمساك عن أكل لحوم العلماء وطلبة العلم، والواجب على الشباب وطلاب العلم ألا يلتفتوا إلى تلك التجريحات والتبديعات التي تضر ولا تنفع، وأن يشتغلوا بالعلم النافع الذي يعود عليهم بالخير والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة، وقد قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله في كتابه تبيين كذب المفتري (ص:29): ((واعلم ـ يا أخي! وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجلعنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته ، أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة))، وقد أوردت في رسالتي ((رفقاً أهل السنة بأهل السنة)) جملةً كبيرةً من الآيات والأحاديث والآثار في حفظ اللسان من الوقيعة في أهل السنة، ولا سيما أهل العلم منهم، ومع ذلك لم تعجب هذا الجارح، ووصفها بأنها غير مؤهلة للنشر، وحذر منها ومن نشرها، ولا شك أن من يقف على هذا الجرح ويطلع على الرسالة يجد أن هذا الحكم في وادٍ والرسالة في وادٍ آخر، وأن الأمر كما قال الشاعر:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ ** و ينكرُ الفم طعم الماء من سقم”. انتهى كلامه حفظه الله من كتابه الحث على اتباع السنة والتحذير من البدع وبيان خطرها .
10/قال الشيخ عبد الله المطلق عضو اللجنة الدائمة:
(يا أحبابي هؤلاء الذين يضيّقون معنى السلفية، والذين يأخذون بالظِنّة والذين لا يقبلون التوبة والذين لا يناقشون الناس ولا ينشرون الخير هؤلاء يضرّون السلفية أكثر مما يحسنون إليها، إنك لو نظرت إلى علماء من أهل السعودية كم هم؟ يريدون فقط ثلاثة أو أربعة علماء، والباقين؟ هاه؟ ليسوا من السلف؟!! ذي مصيبة عظيمة يا إخوان، إنك إذا نظرت إلى علماء العالم الإسلامي الآن تجد أنهم عندهم في قوائم المنحرفين، إنك إذا نظرت إلى علماء الأمّة الذين خدموا الدين، أمثال ابن حجر والنووي وابن قدامة صاحب المغني والكتب النافعة وابن عقيل وابن الجوزي وجدت أنهم عندهم مصنفون تصنيفات يخرجونهم بها من السلفية لأنه وجد عليهم بعض الملاحظات، هؤلاء الذين يضيّقون معنى السلفية يسيئون للأمة إخوتي في الله، ولذلك انظروا إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وإلى الشيخ محمد العثيمين رحمه الله وإلى سماحة المفتي الآن الموجود، كيف يتعاملون مع الناس، كيف يحسنون أخلاقهم، كيف يستقبلون طلبة العلم، كيف يجلّون العلماء لكن هل هذا المنهج موجود عند هؤلاء؟ لا. هؤلاء ليسوا راضين إلاّ عن أعدادٍ قليلة معدودة على الأيدي من طلبة العلم، الذين يشتغلون في مجالسهم بأكل لحوم العلماء، وأحياناً يحمّلون كلامهم ما لا يتحمل بل وأحيانا يكذبون عليهم، ليس في قاموسهم توبة ولا يقبلون لأحد أوبة، يضيّقون هذا الدين، يفرحون بخروج الناس منه ولا يفرحون بقبول أعذار الناس وإدخالهم فيه، ترى هذي مصيبة يا إخواني لو ابتليت بها الأمة يمكن أن تكون السلفية في مكان محدود من هذه الجزيرة، انظروا إخوتي في الله إلى دماثة خلق الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين كيف كانوا مفتين لجميع شباب العالم الإسلامي إن اختلفوا في أوروبا في أمريكا في أفريقيا في اليابان في أندونيسيا في استراليا، من يرضون حكماً؟ من يرضون؟ تجدهم يقبلون عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين وفلان وفلان، لكن هل يرضون مشايخ هؤلاء؟ هاه؟ لا والله ما يرضونهم، وهؤلاء لا يقبلونهم، إن ما ينتهجه هؤلاء وفقهم الله وهداهم يضيّق معنى السلفية وينفر الناس منها، ويجعل السلفية معنىً ضيّقا محدوداً). د. عبد الله المطلق
عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
المحاضرة بتاريخ: الأربعاء 19 شعبان 1424هـ وعنوان: الفتن – أسبابها وعلاجها.